بالله عليكم لو أن هذا الإمام رحمه الله قرأ القرآن، ثم أتبع ذلك بكلام العلماء في تفسيره، ثم بالأحاديث وأقوال السلف، فلن تكون عنده هذه الحيرة أبداً، ولن يتمنى أن يموت على دين العجائز، بل كان سيموت على دين الراسخين في العلم؛ وأين دين العجائز من دين الراسخين في العلم؟!
لو أن أحداً قرأ خمسين ألفاً في خمسين ألفاً من الآيات والأحاديث والتفاسير، وكلام السلف الصالح، لتنور قلبه وكان من الراسخين في العلم، وقد كان في عصره كثير من الأئمة الراسخين في العلم، الذين اشتغلوا بالحديث والتفسير، واقتدوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وساروا على عقيدة السلف، فكانوا قمة في الإيمان والعبادة، ولم يموتوا على دين العجائز ولا تمنوه.
والحمد لله الذي أعطانا ما هو أفضل من ذلك، وعرفنا من تفاصيل الإيمان ما لا تعرف العجوز؛ فإنها تعرف شيئاً مجملاً، ومن قطع الرحلة في بحر مظلم بزورق متكسر، فإنه يريد فقط أن يصل إلى الشاطئ، هذا غاية ما يتمناه، أما من كان في أمن ونجاة وسلام وطمأنينة وراحة، فإنه يسمو إلى ما هو أعلى وأفضل من مجرد النجاة.
وهكذا فإن دليل الفطرة الذي نبهه إليه الإمام أبو جعفر الهمذاني أيقظه عند مماته، فأخذ يقول: أتمنى أن أموت على دين العجائز، ودين العجائز فيه العلم الضروري بعلو الله سبحانه وتعالى، فإن أوضح وأجلى صفات الله الثابتة بالفطرة: علو الله سبحانه وتعالى.